بقلم: مريم محمود
لقد وردت مادة «ضلّ» كثيراً في القرآن الكريم، فمنها ما دلّ على الضلالة، ومنها ما دلّ على الضالين، ومنها ما دل على المضلين الساعين في الأرض فساداً.
-
معنى الضلال:
1ـ هو العدول عن الطريق المستقيم ويُضادُه الهداية، قال تعالى: ﴿فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها﴾[1].
2 ـ وذكر الضلال: لكلّ عدول عن المنهج عمداً أو سهواً يسيراً أو كثيراً، فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعب جداً[2]…. قال النبي(ص): «استقيموا ولن تحصوا»[3]؛ وقوله تعالى: ﴿فاستقم كما أمرت﴾[4].
3 ـ وضلّ سعيه: أي عمل عملاً لم يعد عليه نفعه (أو خاب عمله ولم ينفعه) قوله تعالى: ﴿الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا﴾[5].
مثال ذلك عمر بن سعد (لعنه الله) الذي أضل سبيله قوله تعالى: ﴿فقد ضلَّ سواء السبيل﴾[6]؛ لأنه سلك طريقاً لم يوصله إلى المطلوب.
ومن كلام للإمام الحسين(ع)، لجيش ابن سعد (لعنه الله) حيث قال: «الحمد الله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالاً بعد حال … فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتُخيب طمع من طمع فيها»[7]. وها هو عمر بن سعد الذي طمع بشيء من طعام الدنيا (ملك الري) في مقابل قتله الإمام، ولكنه لم يبق بعد الحسين(ع) إلا سنوات قليلة ، وقتل على يد المختار الثقفي، فخسر الدنيا والآخرة.
-
معاني كلمة الضلال في القرآن:
1 ـ الغواية ــ قوله تعالى: ﴿ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً﴾[8].
2 ـ الخسران: ﴿وما كيد الكافرين إلاَّ في ضلال﴾[9].
3 ـ الشقاء: ﴿إنا لفي ضلال وسعر﴾[10].
4 ـ البطلان: ﴿فلن يُضلّ أعمالهم﴾[11].
5 ـ الخطأ: ﴿وغدوا على حرد قادرين* فلما رأوها قالوا إنا لضالون﴾[12].
6 ـ الهلاك (الموت): ﴿أإذا ضللنا في الأرض﴾[13].
7 ـ النسيان: ﴿أن تضلَّ إحداهما فتُذكر إحداهما الأخرى﴾[14].
8 ـ الجهل: ﴿قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين﴾[15].
9 ـ الضلال الذي هو ضد الهدى: ﴿ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين﴾[16].
-
ميادين الضلال وموارده:
1 ـ ضلال في الاعتقاد (كمعرفة الله ووحدانيته ومعرفة النبوة)، قوله عز وجل: ﴿ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً﴾[17].
2 ـ ضلال في الصفات الباطنية، كقوله: ﴿فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين﴾[18]. ﴿ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله﴾[19].
3 ـ ضلال في الأعمال (الأحكام الشرعية التي هي العبادات)، كقوله: ﴿والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم﴾[20].
4 ـ وقد يستعمل الضلال بالمعنى العام الشامل، كقوله تعالى: ﴿ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين﴾[21].
-
من هم المضلون:
والمضلون في الأرض كثيرون، كلهم يسعون بكل قواهم، وبكل مكر وخداع لإضلال عباد الله عن جادة الحق وعن الصراط السوي، ليكونوا وإياهم سواء في الضلالة، ومن هؤلاء:
1 ـ الشيطان الرجيم: عدوّ الإنسانية الأول الذي توعد وأقسم بعزة الله تعالى بإغواء العباد وإضلالهم، حيث قال: ﴿فبعزتك لأغوينهم أجمعين﴾[22].
2 ـ المجرمون وشياطين الإنس: الذين يسولون للناس ولقرنائهم السيئات ويزينون لهم المعاصي، قوله تعالى: ﴿وما أضلنا إلا المجرمون﴾[23]. وقوله تعالى مصوراً موقف الظالم الذي ظلم نفسه باتباع قرناء السوء: ﴿يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً* يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً* لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً﴾[24].
3 ـ فرعون: الذي استضعف قومه وأضلهم، وصور لهم نفسه على أنه إله، قوله تعالى: ﴿وضل فرعون قومه وما هدى﴾[25].
4 ـ السامري: الذي عبّد بني إسرائيل العجل بعد أن فارقهم موسى(ع) لميقات ربه، قوله تعالى: ﴿فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري﴾[26].
5 ـ السادة والكبراء: الذين يؤثرون بجاههم وأموالهم على عقول وأفكار الناس، قوله تعالى حاكياً عن حجة الكفار: ﴿إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا﴾[27].
-
أسباب الضلال:
لا شك أن للضلالة أسباباً كثيرة، ولكن نقتصر على ذكر بعضها، ومن هذه الأسباب:
أ ـ اتباع الهوى: دون العقل، ودون تعاليم الله تعالى التي تؤدي بالإنسانية إلى شاطىء الأمان. هذا الهوى الذي تواترت الأحاديث في التحذير منه، قول أمير المؤمنين(ع):«أكثر ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل»، وقوله تعالى في هذا الشأن: ﴿ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾[28].
ب ـ تولي الشيطان: حيث اليقين من الضلالة والردى والسقوط في مهاوي التهلكة، قوله تعالى: ﴿كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب سعير﴾[29].
ج ـ إطاعة أكثر من في الأرض: وذلك أن أكثر الناس يميلون مع كل ريح، ولا يحكمون عقولهم في معظم الأمور، يل يكون اندفاعهم وراء الشهوات والغرائز والعواطف، والتي تؤدي بهم حتماً إلى الهلاك، قوله تعالى: ﴿وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله﴾[30].
-
جزاء الضالين:
لقد أعدَّ الله للضالمين والضالين الذين ظلموا أنفسهم باتباعهم غير طريق الحق، وقد تواترت الآيات الحاكية عن جزائهم ومصيرهم، قوله تعالى: ﴿ثم إنكم أيها الضالون المكذبون، لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون﴾[31]؛ وقوله تعالى: ﴿وأما إن كان من المذبين الضالين* فنزل من حميم* وتصلية جحيم﴾[32].
المصادر:
[1] سورة الإسراء، الآية: 15.
[2] الأصفهاني، الراغب: مفردات ألفاظ القرآن. ط1. دار الأميرة. بيروت. 1431هـ ـ 2010م.ص412.
[3] الأصفهاني: مفردات القرآن: نفس المصدر .ص412.
[4] سورة هود، الآية: 112.
[5] سورة الكهف، الآية: 104.
[6] سورة البقرة، الآية: 108.
[7] المجلسي: بحار الأنوار. ج45. ص6.
[8] سورة يس، الآية: 62.
[9] سورة غافر، الآية: 25.
[10] سورة القمر، الآية: 24.
[11] سورة محمد، الآية: 4.
[12] سورة القلم، الآيتان: 25 و26.
[13] سورة السجدة، الآية: 10.
[14] سورة البقرة، الآية: 282.
[15] سورة الشعراء، الآية: 20.
[16] سورة الصافات، الآية: 71.
[17] سورة النساء، الآية: 136.
[18] سورة الزمر، الآية: 22.
[19] سورة القصص، الآية: 50.
[20] سورة محمد، الآية: 8.
[21] سورة آل عمران، الآية: 164.
[22] سورة ص، الآية: 82.
[23] سورة الشعراء، الآية: 99.
[24] سورة الفرقان، الآيات: 27 و28 و29.
[25] سورة طه، الآية: 79.
[26] سورة طه، الآية: 85.
[27] سورة الأحزاب، الآية: 67.
[28] سورة ص، الآية: 26.
[29] سورة الحج، الآية: 4.
[30] سورة الأنعام، الآية: 116.
[31] سورة الواقعة، الآية: 59
[32] سورة الواقعة، الآيات: 92 و93 و94.